سليم الرياحي، ألعوبة بيد الباجي قائد السبسي
مدّة القراءة : 4 دقيقة
كارلوس غصن، من أكبر رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات في العالم، لبناني-برازيلي -فرنسي، أنقذ شركة رونو Renault الفرنسية من السقوط في الجحيم، تمّ تكريمه من الشركة اليابانية نيسان Nissan وكان على وشك الصعود بشركة Mitsubishi اليابانية.
هو رجل قويّ جدّا بفضل فاعليته وكفاءته، كارلوس غصن يفرض التقدير، اذ لا وجود لصاحب مؤسسة لم يطلع على مسار نجاحاته وأساليب عمله.
ورغم أنّه يحظى بكلّ ذلك، الاّ أنّه تمّ إيقافه منذ يوم الاثنين الماضي من أجل التهرّب الضريبي وهو يعيش في ظروف ايقاف قاسية مثل كلّ المساجين في اليابان رغم نفيه نفيا قطيعا لكلّ التهم الموجّهة اليه.
عندما نعلم الأموال الطائلة باليان التي وفرها غصن للاقتصاد الياباني، فإنّه يكون من المضحك النظر الى المبالغ المنسوب اليه بأنّه لم يدفعها للضرائب.
ومع ذلك، فإننا نشهد اليوم سقوطا لرجل عظيم، يُعتَبَر مقدّسا بالنسبة الى معاونيه، من أجل شبهة تهرب ضريبي "بسيطة"، لذلك قرّرت شركة نيسان اقالته، وتستعدّ شركة ميتسيبيشي Mitsubishi للقيام بنفس الشيء وقد لا تتأخر شركة رينو Renault في اتخاذ نفس القرار.
سليم الرياحي، نعلم أنه تونسي ونعتقد أنّه بريطاني ونشكّ في أنّه ليبي – من المؤلم والمضني بالنسبة اليّ أن أنتقل من كارلوس غصن الى سليم الرياحي، ولكن الأحداث في بلادي تفرض عليّ ذلك. نعتقد أنّنا بلغنا القاع، ولكن سنحفر أكثر-
سليم الرياحي يقول إنّه صاحب مؤسّسة، ولكننا لا نعرف كثيرا عن شركاته، نريد أن نحلّل مساره ووسائله، ولكننا لا نجد شيئا يستحقّ الدراسة.
نحن نعرف أنّه غني، غنيّ جدّا، من خلال تَرَفه وما يبذّره من أموال، ولكننا لا نعلم شيئا عن مصادر ثروته.
أمّا بالنسبة الى تجاربه الجمعياتية والمهنية فلقد باءت كلّها بالفشل، مثل حكاية النادي الافريقي، اذ لا يمكننا تعداد الفضائح والديون التي خلّفها.
سنة 2012، قاد حملة إعلامية ليعلن عن مشروع عجيب بقيمة 650 مليون دينار مع توفير 10 آلاف موطن شغل. الاّ أنّ هذا المشروع لم ير النور الى يومنا هذا. لقدّ حمّل المسؤولية في فترة ما للترويكا، غير أنّ الترويكا غادرت الحكم منذ أربعة أعوام والمشروع لم ينطلق بعد. ثم اشترى إذاعة "كلمة" واستغلّ اسما آخر، ولكن الإذاعة أفلست بعد أشهر فقط، ثمّ اشترى قناة التونسية ممّا أكسبه لقب "ذبذوب"، قبل أن يتبخّر المشروع.
نعلم أيضا أنّه تمت مصادرة مكتسباته بقرار قضائي، منذ 2017، بسبب ثروته المجهولة المصدر، ومع ذلك فانّ الرجل يسافر ويعيش عيش الملياردير وكأنّ شيئا لم يقع.
لقد تمّ منعه من السفر لفترة زمنية، وظلّت قضاياه تجوب في أروقة المحاكم الى أن تجاوزت المدّة القانونية فتمّ رفع تحجير السفر عنه.
سنة 2014، نشرت بزنس نيوز Business News تحقيا للزميل زياد الهاني أُثبت بالوثائق تورّط سليم الرياحي في التهرب الجبائي (نفس الشيء بالنسبة لغاستون غصن)، ولكن ذلك لم يمنع الرياحي من الترشح للانتخابات الرئاسية (انتهت بفشله الذريع) وبالحصول على جواز سفر ديبلوماسي وبرئاسة حزب سياسي ثم إدارة الحزب الحاكم منذ أسابيع، ومع ذلك فانّ الرجل من الناحية الجبائية يقدّم نفسه على أنّه عامل يومي!
وبالنظر الى المثال الياباني، فانّ تونس وعدالتها يجب أن تكون كأسوأ صورة للفساد في العالم، إنّنا لسنا بصدد العالم الثالث، بل بالكاد في العصور الوسطى.
يتمتّع سي سليم الرياحي، المصرّح جبائيا على أنّه عامل يومي، والمجمّع للفشل، بقدر من التساهل في التعامل معه، وبسند سياسي قوي، وليس من الخفي أن نقول إنّ السبْسِيَيْن (الأب والابن) هما في الصف الأوّل للداعمين له.
إن الرياحي يشبه شيئا ما شفيق الجراية، الذي كان صديقا له حيث لا نعرف من هو متورّط أكثر من الآخر، ولكن ما نعلمه هو أنّ الحرب على الفساد التي خاضها يوسف الشاهد طالت جراية ولكنها لم تشمل الرياحي. الأوّل يقبع في السجن مع مواصلة الإجراءات في شأنه في حين نجد الثاني في يصول في مربع الشخصيات المهمّة في حديقة الأمراء بباريس لمتابعة مقابلة باري سان جرمان PSG.
لماذا يساند السبسي وابنه، شخصا مثل سليم الرياحي، رغم أنّ الجميع يعرف سيئاته والكل يعرف ثقل الشبهات التي تحوم حوله؟
مثله مثل حافظ قائد السبسي فانّ سليم الرياحي غير قادر على الحضور في بلاتو تلفزي لمواجهة صحفي جيّد قادر على المحاورة. صحيح أنّه لا يملك جرأة شفيق الجراية، ولكنه يعاني مثله من مركب جنون العظمة وهو مستعدّ للتضحية بكلّ شيء.
يعلم الباجي قائد السبسي، السياسي الداهية وصاحب الخبرة الطويلة 92 سنة، مثل تلك "الرهوط"، ويعرف كيف يتعامل معها جيّدا للحدّ من أنانيتها وشعورها بالعظمة. من لا شيء أصبح أمينا عاما لحزب نداء تونس.
لقد استقبله الرئيس في مكتبه بقصر قرطاج، بعد ان كان قبل ذلك في مكتب قاضي التحقيق وكان يخشى ايداعه السجن مباشرة.
من الطبيعي جدّا أن يُلْقِي الباجي قائد السبسي بالرياحي كالمنديل بعد أن ينتهي دوره في الحرب ضدّ يوسف الشاهد، ولكن في انتظار ذلك ستخسر تونس الكثير بسببه.
لقد كان الأمر كذلك، بعد أن استفاد الباجي قائد السبسي من دعم سليم الرياحي في الدورة الثانية لانتخابات 2014 للفوز بالرئاسية، حيث وجد نفسه على الهامش خلال توزيع الحقائب الوزارية، فانهال نقدا لحزب النداء واصفا اياه "بحزب الفساد" وأنّه " أكبر عملية تحيّل".
يوم الخميس الماضي، قدّم سليم الرياحي شكاية لدى المحكمة العسكرية ضدّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد والمكلف بالاتصال مفدي المسدّي وسليم العزابي مدير الديوان السابق برئاسة الجمهورية ورؤوف مرادع مدير الأمن الرئاسي ولزهر العكرمي القيادي السابق بنداء تونس.
إنّه أمر مضحك حقّا الى درجة أنك لا تستطيع حتّى التحدّث عنه، لكن التعامل مع مثل هذه القضايا بتلك البساطة أمر خطير مثلما كتب سفيان بن حميدة في مقاله الأسبوعي.
مضحك لأنّه اذا تورّط مدير الأمن الرئاسي في الاعداد لانقلاب وحامت حوله شبهة الخيانة مثلما يدعي الرياحي، لأعفاه السبسي منذ الخميس الماضي لكن الباجي قائد السبسي يُلاعب دميته المتحرّكة ساخرا.
أمّا بالنسبة الى سليم الرياحي، فهو مسرور، أذ يجري الحديث عنه في كلّ مكان وهو لا يطلب أكثر من ذلك، لا يعنيه ان كان دمية بيد غيره، بل لا يشعر بذلك أصلا، لأنّ احساسه بالعظمة يمنعه من أن يرى ذلك. فهو من فرط اعجابه بنفسه توجّه بعد يومين فقط ليلتقط صورة في حديقة الأمراء بباريس خلال مقابلة باريس سان جرمان مثله مثل المراهقين أو كالعاهرة التي تتباهى بزينتها وعريها.
إنّها ليست المرّة الأولى التي يقاضي فيها سليم الرياحي يوسف الشاهد، لقد اشتكاه سنة 2017، دون فائدة. فهو يريد فقط الفرقعة الإعلامية لتسجيل نقطة أو لدفع بيدق لحسابه سيّده، يقوم بكلّ شيء لإرضاء غروره، اذ لو كانت له القدرة على اللعب لفعل ذلك في شركاته، ولكنه يفتقد القدرة على ذلك.
بعد يوم فقط، خرج الرياحي على قناة فرانس 24 ليجيب عن أسئلة موجّهة لفائدته. مع العلم بأنّ الرئيس الفرنسي فرانسوا ماكرون، كان قد صرّح قبل شهر فقط بأنّ روسا اليوم وسبوتنيك، هما وسيلتي اعلام للبروباغندا لفائدة الكرملين، وقال إنّه لا يعتبر العاملين فيها صحفيين. نفس ما قاله ماكرون ينطبق على فرانس 24 إزاء الخارجية الفرنسية.
إذا كان لسي سليم الرياحي، ما يقول فانّه عليه أن يقول ذلك على قناة تونسية أو أمام صحفيين مستقلّين، وليس أمام قناة أجنبية دعائية! تابعة لقوّة أجنبية. إنها قاعدة، طالما ذكّر بها الباجي قائد السبسي سلفه المنصف المرزوقي.
إنّ ما يقوم به سليم الرياحي حاليا، إنّما يتراوح بين البلاهة السياسية البدائية والخيانة العظمى، فالفرق بين اسفافه القديم وما يقوم به حاليا، هو أنّه الآن أصبح على رأس حزب حاكم. فهو يقحم القضاء العسكري ويجرّ البلاد الى السيء. لقد مرّغ هذه المرّة الصورة السياسية في الوحل. الباجي قائد السبسي، معلّمه الجديد، وعد بإعادة هيبة الدولة التي تمّ تلطيخها بشكل كبير في عهد المنصف المرزوقي، وأن يتم الاختيار على سليم الرياحي كدمية متحرّكة، لا شكّ أنّه يعقّد الوضعية.
عامل يومي وجامع أخطاء اقتصادية وسياسية، وربما متهرّب ضريبي، لم يكن له أن يذهب الى فرانس 24، ولم يكن له أن يدين الحرس الرئاسي بمحاولة انقلاب، ليس له أن يكون بيدقا أصلا. إنّ الباجي قائد السبسي وآخرين يتحمّلون المسؤولية في هذا السقوط الذي بلغت اليه البلاد في الآونة الأخيرة، لأنّ دميته المتحرّكة سليم الرياحي، لا يزال قاصرا لا يتحمّل المسؤولية عن أفعاله.
تعليقك
Commentaires